المواضيعالفئاتاتصل بنابحث
العربية
تسجيل الدخول

آخر تحديث : 10/26/2024

ما هو ما شرحه الشيخ ابن عثيمين حول وزنية المنافع والمفاسد في الفقه الإسلامي؟

سؤال

قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله رحمة واسعة - وهو يشرح هذا البيت : ومع تساوى ضرر ومنفعة ... يكون ممنوعاً لدرء المفسدة في منظومته- رحمه الله - في القواعد الفقهية ص 21 :" القاعدة الثالثة : وهي التي يعبر عنها العلماء بقولهم : " درء المفاسد أولى من جلب المصالح " ولكنها مقيدة بما ذكرناه في هذا البيت . وهو أنه : إذا اجتمع في الشيء المنافع ، وتساوت المنافع والمضار ، فإنه يكون ممنوعاً من أجل المفسدة ، وهذا القيد الذى ذكره الناظم قيد لا بد منه ، وهو قيد لما اشتهر من قول العلماء : إذا اجتمعت مصلحة ومفسدة غلب جانب المفسدة . و هذا ليس على إطلاقه ، بل هو مع التساوي ، أما إذا ترجحت المنفعة فإنه يؤخذ بها ، وإذا ترجحت المفسدة فإنه يغلب جانبها " . والسؤال : في الجزء الأخير قوله رحمه الله : " أما إذا ترجحت المنفعة فإنه يؤخذ بها ، وإذا ترجحت المفسدة فإنه يغلب جانبها ". هل هذا على إطلاقه ، أم إنه مقيد بأن تكون المنفعة من الضرورات أو من الحاجات . أرجو منكم التوضيح ؟

ملخص الإجابة

عندما تتعارض المنافع والمفاسد، اطلاع الفقهاء ينص على ثلاث حالات: 1. إذا كانت المنفعة الرائجة، فتُقدّم، مع تحمل الحد الأدنى من المفاسد. 2. إذا كانت المفاسد رائجة أكثر من المنافع، فيجب درؤها. 3. إذا تساوت المنفعة والمفاسد، يتم تطبيق قاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المنافع".
الحمد لله.
عند اجتماع المصالح والمفاسد في الحالة الواحدة فإن فقه الموازنة بينهما في قسمة العقل لا يخرج عن ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن تكون المصلحة هي الراجحة فتقدَّم ، وتحتمل المفسدة الأدنى ، في سبيل تحصيل المصلحة الأعظم ، ومن أمثلته جواز التلفظ بكلمة الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان في حالة الإكراه ، وذلك تقديما لمصلحة حفظ الروح على مفسدة الكفر اللساني .
ولا يخفى أن تقرير كون المصلحة أرجح وأعظم من المفسدة في هذه الحالة ، من المباحث الدقيقة التي تقتضي كثيراً من التأني والتأمل في الأدلة الشرعية ، ومن ذلك مراعاة تعلق المصلحة أو المفسدة بالضروريات أو الحاجيات أو التحسينيات ، واعتبار هذه المستويات أثناء المقارنة الترجيحية بينهما ، وإلا وقع الخطأ والخلل ، واضطربت القواعد بسبب الإجمال .
وهذا يدل على أن تقديم المصالح على المفاسد يدخل في جميع الدرجات : الضرورية والحاجية والتحسينية ؛ إذ ليس ثمة ما يمنع من انطباق القاعدة على التحسينيات .
ولما قرر العز بن عبد السلام رحمه الله هذه القاعدة قسم المصلحة التي ترجح على المفسدة إلى أقسام ، فقال : " وهذه المصالح أقسام : أحدها ما يباح . والثاني : ما يجب لعظم مصلحته . والثالث : ما يستحب لزيادة مصلحته على مصلحة المباح . والرابع : مختلف فيه " انتهى.
فتأمل كيف أدخل المصالح المباحة تحت هذه القاعدة ، وهي مصالح تحسينية ، ومؤكد أنه لن يتم تقديم مصلحة تحسينية على مفسدة تتعلق بالضروريات ، بل لا بد من مراعاة اندراجها تحت ميزان واحد .
وأمثلة المنافع الضرورية أو الحاجية توسع بذكرها العز بن عبد السلام رحمه الله في كتابه الفذ : " قواعد الأحكام في مصالح الأنام "، يمكن مراجعته لمن أراد التوسع .
وأما أمثلة ترجيح المصلحة على المفسدة في بعض القضايا التحسينية أو التكميلية فهي قليلة ، ولكنها موجودة ، منها على سبيل المثال :
أولا :
ما ذكره العلماء في شرح حديث ذهاب ابن عمر إلى سرادق الحجاج في الحج وقوله له : ( الرواح إن كنت تريد السنة ) رواه البخاري (1660) وفي ذلك يقول الحافظ ابن حجر : " فيه احتمال المفسدة الخفيفة لتحصيل المصلحة الكبيرة ، يؤخذ ذلك من مضي ابن عمر إلى الحجاج وتعليمه " انتهى من " فتح الباري " (3/512) .
ثانياً : من الأمثلة التي ذكرها العز بن عبد السلام ، ونراها تنطبق على سؤال السائل ، قوله رحمه الله : " هجرة المسلم محرمة لما فيها من المفسدة ، لكنها جازت في ثلاثة أيام دفعا للمشقة عن المحرج الغضبان ... والحجر على المرضى فيما زاد على الثلث مفسدة في حقهم ، لكنه ثبت نظرا لمصلحة الورثة في سلامة الثلثين لهم ، كما ثبت تقديم حقه في الثلث على حقوقهم " انتهى باختصار من " قواعد الأحكام " (1/104) .
الحالة الثانية : أن تكون المفسدة هي الراجحة ، وأعظم من المصلحة ، فدرؤها مقدم على جلب المصلحة ، كمن خير بين مصلحة المال ومفسدة قتل النفس ، فلا شك أن الأولى أن يضحي بالمال لأجل درء القتل .
يقول العز بن عبد السلام رحمه الله :
" فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة : درأنا المفسدة ، ولا نبالي بفوات المصلحة ، قال الله تعالى : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) البقرة/ 219 ، حرمهما لأن مفسدتهما أكبر من منفعتهما " .
انتهى من " قواعد الأحكام " (1/98) .
الحالة الثالثة : أن تستوي المصلحة والمفسدة ، فهنا يأتي محل القاعدة المشهورة " درء المفاسد مقدم على جلب المصالح "، هذا مع العلم أن هذه الحالة الثالثة محل نزاع بين العلماء ، فقد أنكر كثير منهم وقوعها ، وقالوا من المتعذر الحكم بتساوي المصالح والمفاسد في إحدى الحالات ، بل لا بد من تأثير إحدى المرجحات لتنقل الحالة إلى الصورة الأولى أو الثانية .
يقول الإمام السبكي رحمه الله :
" درء المفاسد أولى من جلب المصالح . ويستثنى مسائل ، يرجع حاصل مجموعها إلى أن المصلحة إذا عظم وقوعها ، وكان وقع المفسدة [أخف] : كانت المصلحة أولى بالاعتبار . ويظهر بذلك أن درء المفاسد ؛ إنما يترجح على جلب المصالح إذا استويا ".
انتهى من " الأشباه والنظائر " (1/105).
ويقول الأمير الصنعاني رحمه الله :
" دفع المفاسد أهم من جلب المصالح عند المساواة " انتهى من " إجابة السائل " (ص/198) .
ويقول الشيخ السعدي رحمه الله :
" عند التكافؤ فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح " .
انتهى من " رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة " (ص/104) .
والله أعلم .

حفظ

تحميل

مشاركة

من نحن
مرحباً بك في موقع فتاوي، مصدرك الموثوق للفتاوى الإسلامية. نحن ملتزمون بتقديم الإرشاد الديني الأصيل والموثوق وفقًا لتعاليم الإسلام. تُعد منصتنا بمثابة مورد قيم للأفراد الذين يبحثون عن الوضوح بشأن مختلف المسائل الدينية ويطلبون التوجيه من العلماء المؤهلين.تم تحسين وترجمة وتصنيف البيانات في المنصة باستخدام أدوات الذكاء الصناعي
من نحنشروط الاستخدامسياسة الخصوصيةإرسال التعليقاتاتصل بنا